(التبوريدة  … خيول معقودة بنواصيها الخير) 

بقلم /  بلقيس أحمد الكبسي 
    رباعية حماسية لا تخلو من دهشة (خيول وبارود ،خيالة وجمهور)  تقابلها جماليات متتالية (خيول مسرجة مهندمة مزركشة، خيالة بلباس تقليدي موحد منسق، بنادق تقتات باروداً ما يفتأ أن يُطلق  في الفضاءات الشاسعة ليصدر انفجاراته المدوية ترافقه تصفيقات وصرخات وهتافات تشجيعية ، حضور جماهيري حماسي  متعدد الأعمار والأجناس والفئات ، كل ما سبق ذكره جمعتهم  “التبوريدة”  في حلبتها و أبهى حلتها وامتداد تاريخيها وتجذر معانيها ورموزها ،”التبوريدة”  المشتق اسمها من البارود فن شعبي ابتكره  الأجداد مارسوه وخلفوه تراثاً في البادية والحضر ونشاطاً موسمياً للأبناء والأحفاد. “التبوريدة” ذلك الفن الشعبي التاريخي العريق  – والمدرج  ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة(اليونسكو)  عام ( 2021 ) – يعدُ من أقدم أشكال الاحتفالات التقليدية المغربية في المناسبات والأفراح أو في التظاهرات التي تنظم بما يسمى”الموسم”. 
     الموسم  حضرته ورأيته بأم عيني وذاك الذي نال اعجابي واندهاشي هناك على رقعة شاسعة تجمهرت جموع غفيرة من الجماهير المشجعة والمنبهرة بهذه التظاهرة الشعبية الثقافية العريقة، نساء ورجال ، شيوخ ومسنين، شباب وأشبال ،أطفال وصغار من الجنسين، حتى  المقعدين والرضع كانوا حاضرين ، جميعهم تجمهروا وتحلقوا حيث تعدو العاديات ضبحا وهي تصدر أصواتها المعتادة التي تنم عن شجاعة وأنفة واستحضار تاريخاً بطولياً ،بينما الخيالة يختالون على ظهور خيولهم متراصين على هيئة صفوف تسمى ( السربة) ، بأثوابهم الموحدة والمنسقة الشعبية والتراثية، تتوسط قبضاتهم بنادقهم المحشوة بالبارود المهيئة للإطلاق  الموحد بنفس اللحظة ريثما يطأوا نقطة الوصول .”التبوريدة” فن  مثير للإعجاب والدهشة والحماس والتجيع والإطراء ، حيث كنتُ من ضمن المندهشين وأنا اشاهد صفوف الخيالة على ظهور خيولهم ، وهي تؤدي التحية، ثم رقصة البداية بحركات متناسقة بالبنادق والألجمة برفقة الأهازيج الشعبية. من ثم ينطلق الخيالة بخيولهم  من بداية المضمار الذي يطوقه حشود من الجماهير، وتبدأ الخيول بالركض، بينما يؤدي الخيالة حركات مميزة ببنادقهم وبألجمة خيولهم،  بعدها يوجهون نيران البنادق للأعلى نحو السماء أو نحو الأرض بناءً على إشارة “العلام”  وهو رئيس الفرقة، يصاحب الاطلاق المنسجم للبارود تصفيقات وتشجيع الجمهور “التبوريدة ” تشكيلة من خيول وخيالة ، بنادق وبارود وفروسية ، موسم ووعدة ،هجمات تمثيلية ذات طلقات نارية مدوية ، إبهار ودهشة وغموض وأساطير تستمد رمزيتها من التراث  والأحداث التاريخية،وهي تشي بمشاعر متضاربة  من الشجاعة والعزة والأصالة والمقاومة والقوة إنها “التبوريدة “. 

شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...