عبد الكريم التيال:يكتب الأحرار والبيجيدي.. معارك فارغة تخفي فشل 15 سنة من التدبير الحكومي
يعيش المشهد السياسي المغربي اليوم على إيقاع سجال متواصل بين حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، وحزب العدالة والتنمية الذي انتقل إلى المعارضة بعد ولايتين حكوميتين كان فيهما الأحرار شريكًا أساسيًا. هذا التوتر السياسي لا يعكس فقط طبيعة التنافس بين حزب يقود السلطة وآخر يوجد في صف المعارضة، بل يكشف أيضًا مفارقة عميقة؛ فالحزبان معا شكلا لعقد من الزمن العمود الفقري للحكومات المتعاقبة، وساهما في وضع السياسات نفسها التي ينتقدها كل طرف اليوم لدى الآخر، رغم أن المسؤولية مشتركة والاختيارات واحدة تقريبًا.
خلال خمسة عشر عامًا من التدبير الحكومي الذي طبعته مقاربة يمينية ليبرالية غير متوازنة، ظل المواطن ينتظر تغييرًا حقيقيًا في القطاعات الاجتماعية الكبرى، لكن الحصيلة أبانت عن محدودية واضحة. قطاع الصحة ما زال عاجزًا عن توفير خدمات عادلة وفعالة، والتعليم يعيش على وقع إصلاحات متراكمة لا تحقق قفزة ملموسة، وسوق الشغل لم ينجح في خلق فرص كافية لآلاف الشباب. ورغم الوعود بمراجعة النموذج التنموي وتحسين جودة الخدمات، بقيت الفوارق الاجتماعية والمجالية تتسع بفعل غياب رؤية شجاعة قادرة على تجاوز السياسات التقليدية.
وفي الوقت نفسه، تستمر بعض الأعطاب المؤسساتية كعنوان صارخ لهذا الفشل؛ فالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المنصوص عليه دستوريًا، لم ير النور رغم مرور سنوات طويلة، ما يعكس غياب إرادة حقيقية لإشراك الشباب في السياسات العمومية. ومناقشة الية دعم الشباب للترشح بشكل مستقل ابانت ان الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان اتفقوا على تكريس الاقصاء السياسي للشباب، أما ملف مكافحة الفساد، فرغم الشعارات الواسعة التي رُفعت باسمه، لم يعرف تفعيلًا حقيقيًا لربط المسؤولية بالمحاسبة ولا خلق آليات فعالة لتجسيد الشفافية في تدبير الشأن العام، وبقي في حدود الخطاب أكثر مما هو ممارسة.
ورغم أن المغرب اليوم مقبل على تحديات وفرص كبيرة، خصوصًا مع احتضان المنافسات الرياضية الدولية وما تمنحه من إمكانات لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة المجالية وتحسين البنيات الأساسية، فإن النقاش السياسي لا يعكس حجم هذه الرهانات. فبدل أن يكون الحوار العمومي فرصة لتقديم مشاريع كبرى وبرامج بديلة، انزاح إلى سجالات تكتيكية وشخصية لا تنتج معرفة سياسية ولا تقدم حلولًا واقعية، بل تعيد إنتاج نفس منطق الاتهامات المتبادلة وتُهمّش النقاش حول البدائل الضرورية.
إن ما يعيشه المشهد السياسي اليوم لا يعبّر فقط عن خلافات حزبية، بل يكشف أزمة أعمق تتمثل في غياب الجرأة على تقييم مرحلة كاملة امتدت لخمس عشرة سنة من تدبير اليمين المحافظ واليمين الليبرالي للشأن العام ببلادنا. فبدل الاعتراف بالأخطاء واستخلاص الدروس وإعادة بناء الثقة مع المجتمع، تتجه الأطراف إلى صراع يغطي على حقيقة أن الجميع ساهم في صياغة السياسات التي يوجَّه إليها النقد اليوم. وفي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى نقاش وطني مسؤول حول الإصلاح الاجتماعي والحكامة والخيارات الاستراتيجية للمستقبل، يستمر الجدل الدائر في تبديد الجهد وإبعاد العموم عن القضايا الجوهرية التي تنتظر إجابات واضحة وشجاعة.


