عبد النبي بزاز يكتب..للنصوص المسرحية في مؤلف ” حكاية من نوع آخر” قيمة أخلاقية تمتح من إفرازات المجتمع

“حكاية من نوع آخر” عمل مسرحي لكانب راكم تجربة غنية ومتنوعة في ميدان خبر خباياه ، وانخرط في صلب همومه وتحدياته وآفاقه … كممثل ومؤطر ب ( كاريزما) خاصة تختزل ديمومة محفوقة بالعزم والصمود والتؤدة لمجابهة أهواء مناخ ثقافي تتعدد نكباته ،وتتنوع اهتزازاته وارتداداته إلى أن أضحى وجها مألوفا محليا وحتى وطنيا بتموقعه اللافت في المشهد الثقافي عموما والمسرحي بالخصوص عبر مسار دشنه بتعلم أبجديات الفعل المسرحي والجمعوي ليتدرج ويرتقي إلى مؤطر ومنشط قاده طموحه الجامح ، ورغبته المتأججة لاجتراح عالم الكتابة المسرحية في نمط ( مسرح الطفل) يصعب خوض غماره ، والتوغل في  امتداداته لاكتشاف خفاياه وكشف مكنوناتها.

فمؤلف “حكاية من نوع آخر” يضم ثلاث مسرحيات هي : ” أحلام خادمة” وتتوزع على خمس شخصيات (الخادمة أحلام، صحبة المنزل آمال ، ابنتها سندس، الأستاذ سعيد، زوجه أسماء) داخل فضاء: (فيلا). وتتشكل المسرحية الثانية ” نبع الحنان “من تسع شخصيات ( رضى ، والده إدريس ، حمزة ، نوفل ،أسامة، عائشة والدة رضى ،عباس ، إسماعيل ) داخل فضاء المنزل ، وملاعب القرب، والمقهى. ثم المسرحية الثالثة والأخيرة : ” حكاية من نوع آخر” يجسدها خمسة عشر شخصا هم : ( الشيخ عمر ،أسامة ، هند، كريم، أيمن ، سارة أم أيمن ، رشيد والده ، سعد ، الجيلالي ، نهاد ، سوسن ، المحامي عبد اللطيف، سلمى ، نوفل ،نادية ) في بيت ضخم ثم غرفة فوق سطح منزل.

وتنماز المسرحيات الثلاث بتنوع على مستوى الفصول والمشاهد والشخوص وكذا الأحداث مما يمنحها غنى وعمقا ، ويشرعها على أبعاد ذات حمولات إنسانية ووجودية ودينية . وتتفاوت الفصول في تراوحها بين فصلين في مسرحية ” أحلام خادمة ” ،و5 مشاهد في مسرحية ” نبع الحنان” ، ومشهدين في النص الثالث ” حكاية من نوع آخر”. كما يتفاوت عدد الشخوص بين خمسة عشر في ” حكاية من نوع آخر” ، وتسعة في ” نبع الحنان ” ، وخمسة في ” أحلام خادمة” ، مما  يشي بالتنوع ، ويرهص بتفاوت يغني المتن المسرحي الذي ينبني على ” تيمات ” تشكل ثابتا بنيويا داخل نسيجه  كالتمويه الذي ينطلي على شخصية الخادمة أحلام : ” تظهر أحلام بملابس جميلة” ص : 12 ، سرعان ما يصبح تحولا يزخر بزخم يؤول إلى ارتقاء اجتماعي عبر طفرة نوعية بحمولات ثقافية مرهونة لروح طموحات عارمة تتغذى من رغبة ثابتة ، وإصرار متين على إطالة هدف عشش في الذاكرة والوجدان فغدا هاجسا راسخا ، وهما يستعصي التخلص منه ( تحول أحلام  من خادمة إلى محامية) في مسرحية ” أحلام خادمة ” ، و ( رضى إلى رجل أعمال ) في مسرحية ” نبع الحنان” نتيجة عملية تبن ينم عن حس إنساني ووجودي بقناعات دينية عقدية نابعة من نزعة روحية باذخة في شخص الأستاذ سعيد وزوجه أسماء باحتضانهما وتبنيهما لأحلام ، وما أسبغا عليها من عناية ورعاية بتوفير ما يلزم من شروط التعلم ، وتهيئ الظروف المناسبة ، والأجواء المساعدة لتحقيق حلمها الأمثل ، وهدفها الأسمى في كسب رهان درجة محامية الذي لازمها لردح مشهود من حياتها . مظهر تكرر مع رضى في نص “حكاية  من نوع آخر” الذي تكفل به فيه عباس صاحب المقهى وائتمنه على مشاريعه  استثماراته  لما لمسه فيه من شيمالصدق والنبل والإخلاص من خلال سهره على تلقينه أسمى الخصال ، وأرقى أنماط السلوك والتعامل .

ويحضر الجانب الديني في ثنايا المتن المسرحي كرافد قيمي وأخلاقي بامتداداته التوجيهية و التقويمية : ” كل واحد يتحمل مسؤولية نفسه أمام الله” ص:11،والتي تمتد عبر عرى الإيمان بالخالق ، واستحضار لطفه ورأفته بالعباد : ” فلا تيأس من رحمة الله” ص : 12 ، وكرمه ونعمه عليهم : ” كم أنت كريم يا الله” ص: 38، فضلا عما يخلقه ( الدين) من روح التلاحم والتآزر والصمود أمام الشدائد والبلايا.

وتتقاسم نصوص الأضمومة الثلاث نهاية موسومة برضى يشيع السعادة والبهجة في نفس المتلقي ( الصغار بالخصوص كفئة مستهدفة من النصوص المكتوبة) بتفادي النهايات المأساوية ذات الطابع التراجيدي من خلال الختم بانفراج ، مخطط له ومقصود، تتحول معه النكبات والنوائب إلى أفراح ومسرات تبهج النفوس ، وتسعد القلوب مما يندرج ضمن خصوصيات الكتابات الموجهة للناشئة ، وما يستدعيه ذلك من استحضار لتكوينهم الحسي والذهني …فنهاية مسرحية ” أحلام خادمة ” تتحول أحلام من خادمة إلى محامية بعد مسار موسوم بالكد والمثابرة، وردها لبعض جميل سندس باسترحاع ما ضاع منها من ممتلكات ، سندس التي توجت مشوارها التعليمي بحصولها على الدكتوراه في المحاسبة …نهاية لا تختلف كثيرا عن المسرحية الثانية ” نبع الحنان ” التي تعاهد فيها الأصدقاء ، وكلهم أطفال ، على نبذ آفة الغل والفرقة لمساعدة صديقهم حمزة  الذييعانيمن إعاقة إثر حادث تعرض له في  ملعب الكرة قاطعين العهد على مساندته ومؤازرته للتغلب على تبعات هذه الإعاقة ومخلفاتها النفسية والذهنية عليه بكل ما يملكون من وسائل ومقدرات …لينحو النص المسرحي الثالث ” حكاية من نوع آخر” نفس المنحى بتخلي أيمن عن أنانيته الرعناء ، ونرجسيته الشاذة وانخراطه في منظومة علاقات تطفح ودا وإخاء مع أصدقائه  لما لمسه فيهم من تسامح بالتفافهم حوله ،ومد جسور الدعم والمساندة للتغلب على الظروف القاسية والمكلفة التي مر بها.

للنصوص المسرحية في مؤلف ” حكاية من نوع آخر” قيمة أخلاقية تمتح من إفرازات المجتمع ، وتجليات الحياة وما تعج به من اختلالات سلوكية ، وأعطاب قيمية ،  وتعمل على تقويم انحرافاتها ورأب  تصدعاتها بعدة تختزل الحس الإنساني ، والروح الجمعية / الاجتماعية بشتى أشكالها وأنماطها لبناء تصور مشروط برؤية تحدد آفاق علاقات الأفراد في حدودها النوعية المثمرة مما يحفز الناشئة على التسلح بثقافة قيمية وأخلاقية بالنهل من منابعها الصافية ، والمتح من مواردها الأصلية وتصريفها في مختلف جوانب حياتهم التي لا تخلو من عواصف و أنواء . وقد حاول الكاتب من خلال منجزه المميز الموجه للأطفال استيفاء الحد الأدنى من الشروط  الإبداعية الكفيلة بهذا النوع من الكتابة المحفوفة بالكثير من المصاعب والإكراهات.

———————————-

 الكتاب : حكاية من نوع آخر(نصوص مسرحية)

ــ الكاتب : عبد الرحمان سيكري

ــ المطبعة : الرباط نت / الرباط 2021


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...