عبدالله علالي يكتب :تجميد مطالب هيئة المتصرفين “مسؤولية تاريخية” تتحملها الحكومات المتعاقبة
في الأونة الأخيرة تتساءل هيئة المتصرفين بحدة عن مآل مطالبها المشروعة والعادلة، هذا الإستفهام الموضوعي أصبح يروج بشكل كبير بين كافة المتصرفات والمتصرفين القدامى منهم ، حيث عرفت الإدارة العمومية في مختلف القطاعات توظيف أطر متصرفة شابة تخرجت من جامعات وطنية ومدارس ومعاهد عليا حاصلة على كفاءات كبيرة وشواهد عليا في مختلف التخصصات القانونية منها والإقتصادية والعلمية.
ورجوعا إلى تاريخ تأسيس الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة مند يوليوز 2011، فإن النخبة المؤسسة كانت من طرف الأطر التصرفية ومن بينها مناضلات ومناضلين لهم تجربة كبيرة في العمل النقابي و من هم من كان يتموقع في الأجهزة التنفيذية لبعض المركزيات النقابية، ولقد تزامن هذ التأسيس في ظل متغيرات سياسية على الصعيد الدولي، وفي ظرفية محلية عرف فيها المغرب حراكا إجتماعيا توج بإخراج دستور جديد للبلاد، ومنذ تأسيس هذه الهيئة المفعومة بإعادة الإعتبار والكرامة لمهنة المتصرف(ة)، عمل الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة بشكل مسترسل وقوي وفق ستراتجية واضحة ترتبط بعدة واجهات، التنظيمية منها والنضالية والترافعية والإعلامية، مستمدا تحقيق أهذافه من قانونه الأساسي المتمثل في المبادىء الأربع: الديمقراطية ،الإستقلالية، الوحدة والتضامن.
وبالرغم من الزخم النضالي الذي عرف تنظيم مسيرات وطنية ووقفات احتجاجية وطنية ومحلية واضرابات وبالرغم من الترافع الفكري الذي تأرخ بشكل واضح داخل قبة البرلمان وخلال الندوات الفكرية والأيام الدراسية، وبالرغم من الإشعاع الإعلامي الدي تم تلسيطه من طرف مختلف وسائل الإعلام على ملف هيئة المتصرفين ، فإننا لا يمكن فهم سؤال عدم تسوية ملف هيئة المتصرفين والسطو عن المطالب العادلة والمشروعة.
إن هذا السؤال يرجعه البعض من المتصرفات والمتصرفين المنتمين لمختلف القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية إلى أسباب يربطونها بالفتور النضالي، وعدم انخراط جميع المتصرفين في الدفاع عن مطالبهم و ربما إلى عدم اللامبالات بوضعيتهم أو ألى عدم فهم مطالبهم الحقيقية.
كما أن هناك من يحمل المسؤولية للإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة كون هذه الجمعية المهنية لم تحسن تدبير المرحلة لأسباب تنظيمية، وهناك من يحمل كذلك النقابات المسؤولية في ما آل إليه ملف هذه الهيئة لكون مطالب المتصرفين لم تأخد بالجدية المطلوبة في المطالب النقابية وعلى طاولة الحوار الإجتماعي.
إن المسؤولية الأولى تقع على الحكومات المتعاقبة التي سلكت سياسة وطرق مختلفة في التعامل مع هذا الملف، ففي عهد حكومة بنكيران وسعد الدين العثماني ورغم قوة نضالات المتصرفين التي قادها الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة المتجسدة في المسيرات الوطنية الإحتجاجية السلمية التي عرفت مشاركة أعدادا كبيرة من المتصرفين من مختلف القطاعات، فإن هذه الحكومة أنداك كانت تناوررغم استقبالها للإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة من طرف مجموعة من الوزراء، دون الإلتفات الحقيقي لمطالب المتصرفين، ورغم الأسئلة المحرجة داخل قبة البرلمان من طرف النواب والمستشارين، فإن الحكومة كانت تتحجج بالحل الشمولي كمخرج لتسوية مطالب هيئة المتصرفين، وهذا كان بمثابة جواب دأب عليه في الرد وزراء الوظيفة العمومية الدين تقلدوا هد ه المسؤولية.
هذا التوجه الحكومي كان دائما هو المسلك لتجميد هذا الملف، وربما كانت هناك أجوبة أخرى غير رسمية تتعلق بالكتلة الأجرية الممكن رصدها إذا تمت تسوية مطالب المتصرفين.
حاولت الحكومة من خلال الحل الشمولي، إقناع به حتى بعض النقابات وجعلت من هذه الكدبة “شماعة” تعلق عليها أحلام آلاف المتصرفات والمتصرفين، وكان المراد من هذا هو فقط ربح الوقت والتخلص من هدا الملف شيئا فشيئا.
لقد نجحت الحكومة إلى حدود 2021 في تجميد هذا الملف في قالب “الشمولية” ونجحت في التخلي على مسؤوليتها في حله، نظرا لغياب تام للإرادة السياسية الحقيقية في التعامل مع مطالب شريحة من الموظفين الذين أعطوا الكثير للإدارة المغربية العمومية، بحيث كانوا فقط يطالبون بالعدالة الآجرية والكرامة المهنية، هذا المطلب الجوهري يتمحور في إخراج نظام اساسي يجيب عن المطالب المشروعة والعادلة لمختلف المتصرفات والمتصرفين.
بعد سنة 2021 عرفت حكومة أخنوش توجها أخر يصب في سياسة وظيفية أخرى انتقلت من الشمولية إلى القطاعية بحيث نجحت الحكومة مرة أخرى في التغاضي عن مطالب هيئة المتصرفين رغم تشبث المتصرفين بمطالبهم الواضحة والمشروعة ورغم الحيف الذي طال هذا الملف، وللأسف هذا الآمر ساهم في تشتيت هيئة المتصرفين والتشبث بالقطاع أكثر من المطالب المشتركة، كما أن السياسية القطاعية ضربت في العمق مفهوم العدالة الأجرية والمهنية بين القطاعات خاصة فيما يخص هيئة المتصرفين.
ورغم مخرجات الحوار الإجتماعي لسنة 2024 و2025 التي أعطت شيئا من الأمل لمعالجة ملف هيئة المتصرفين، فإن التسويف والمماطلة في منافشة ملف الهيئة أصبح واضحا، ومرة أخرى فإن هذه الحكومة ذاهبة لركن هدا الملف في ارشيفها دون اي مبالات رغم التشبت بمشروعية المطالب ورغم كل ما أبرزه الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة من مقاومة مند التأسيس إلى اليوم.
والمطلوب في المستقبل القريب، جعل ملف هيئة المتصرفين من الأولويات المطلبية في الأجندات النقابية وحث الحكومة على التطبيق لمخرجات الحوار الإجتماعي لسنتي 2024 و2025 بشأن تسوية الملفات الفئوية وعلى رأسها ملف هيئة المتصرفين في القريب العاجل، ومطلوب كذلك من الإتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة التحرك عبر تنظيماته الإقليمية والتقريرية للتكثل من أجل ضخ دماء جديدة في هذا الإطار العتيد عبر تجديد التنظيمات الإقليمية وتأسيس أخرى غير مهيكلة، في أفق الإستعداد للمؤتمر الوطني المقبل الذي يبقى ضرورة ملحة في الظروف الراهنة حفاظا على التنظيم وتوحيد كلمة المتصرفين.