الدولة الاجتماعية ليست إجراءات إدارية تخص ٱليات وأدوات الحماية الاجتماعية، بل هي نقاش سياسي ومجتمعي عمومي في الفكر، والسياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والثقافة، وحقوق الإنسان، والمدرسة والجامعة، والاعلام، والقيم المجتمعية المؤطرة لنموذج الدولة الاجتماعية.
بعد أن ” استقر”رهان المرحلة السياسية ببلادنا في شعار ” الدولة الاجتماعية” أعلنت السياسة هزيمتها أمام معادلات اقتصاد السوق. الأمر لا يتعلق فقط بالخطاب الحكومي الذي يجد صعوبة واضحة على ما يبدو ، في تفسير واقع التضخم وموجة الغلاء ، وتبعات خيار تحرير الأسعار، بل أيضا في تحقير وتسفيه معاناة المواطنات والمواطنين جراء الاكتواء بنار الأسعار … ففيما أصبح المواطن يتوجه بشكاويه مباشرة الى جلالة الملك عبر فيديوهات تنقلها شبكات التواصل الاجتماعي يوميا( وهذا الأمر يسائل مؤسسات الوساطة)، يخرج أحدهم بتصريح يعتبر فيه بأن مناقشة غلاء الأسعار موضوع هامشي. والحال ، أن الأمر ليس كذلك على الاطلاق طالما أن ” الخلاف” بين المؤسسات الدستورية حول تقييم الوضع المالي والاقتصادي،يؤشر على أن شعار ” الدولة الاجتماعية” لا يحتاج فقط لنخب سياسية واقتصادية قادرة على تفسير ما يجري، بل على ادارة النقاش العمومي، وتحمل مسؤولياتها أمام الشعب المغربي.
إن أزمة النقاش العمومي قد تفسر الى حد بعيد أزمة المنظومة السياسية في علاقتها بإنتاج وبتأطير النخب، وباحتضان النقاش العمومي الذي هجرته الأحزاب الوطنية،وتحتضنه اليوم بعض المجموعات الاعلامية والمواقع الالكترونية، تأشيرا على الفراغ الخطير الذي يشهده النقاش العمومي أمام انسحاب النخب السياسية من المشهد العام.
واذا كانت مرحلة التناوب التوافقي والانتقال الديمقراطي والمصالحة والإنصاف قد تأطرت سياسيا وحقوقيا وثقافيا بانخراط النخب ذات المصلحة الموضوعية في التغيير الديمقراطي والإصلاح المؤسساتي والدستوري و في دعم الأوراش التنموية للعهد الجديد، فان شعار “الدولة الاجتماعية”، في غياب النخب التي ستسنده سياسيا ومجتمعيا وثقافيا وحقوقيا قد ينهار تدريجيا ليفقد كل شحناته ونتائجه المنتتظرة.
الدولة الاجتماعية ليست إجراءات إدارية تخص ٱليات وأدوات الحماية الاجتماعية، بل هي نقاش سياسي ومجتمعي عمومي في الفكر، والسياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والثقافة، وحقوق الإنسان، والمدرسة والجامعة، والاعلام، والقيم المجتمعية المؤطرة لنموذج الدولة الاجتماعية.