المحامي والباحث، عبد العالي الصافي لـ “اليوم السابع ” مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يخالف القانون 08.28 المنظم لمهنة المحاماة في مجمله فنحن جزء من أسرة القضاء ونرفض “تفتيش “الهيئة لمكاتب المحامي
الصافي :المقتضيات المضمنة بهذا المشروع بالإضافة لعدم دستوريتها فهي تفتقد للشرعية القانونية وفقا لقانون المحاماة و تفتقد للمشروعية لأنها تضرب حصانة الدفاع في مقتل و بالتالي ستصبح سيفا مسلطا على حرية التعبير و تضييقا على حقوق الدفاع.
ناقشت وصادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ،على مشروع قانون رقم 46.19، يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في انتظار استكمال مسطرة المصادقة النهائية على المشروع ،الذي يهدف إلى تأهيل الهيئة للنهوض بمهامها، سواء في نشر قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الرشوة أو في مجال الإسهام في مكافحة الفساد.
ومن ضمن مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وفق مقتضيات الفصل 167 من الدستور، مهامّ المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقّي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
في الوقت الذي لقي المشروع ترحيبا على مستوى صلاحيات الهيئة ،وتلقي ومعالجة الشكايات والتبليغات والتصدي التلقائي والتحري بشأن ملفات،وجوانب الاستشارة والاقتراح والاشراف والتنسيق وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته.لكن المادة 25 التي تمنح الحق للهيئة في” تفتيش ” مكاتب المحامين،شكلت نقطة خلافية أساسية .
“اليوم السابع” التقت بالمحامي بهيئة القنيطرة ،الناشط الحقوقي والباحث عبد العالي الصافي ،حول قراءته للقانون وعن شرعيته القانونية والدستورية فكان الحوار التالي.
القنيطرة/اليوم السابع:حاوره –جواد الخني
ماهي قراءتكم لمشروع القانون رقم46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها؟
في معظم قراءاتنا لمشاريع القوانين , كنا دائما ننادي بالارتقاء بالتشريع على اعتبار أنه صناعة لها قواعدها و منهجيتها بارتباط بمجموعة من المبادئ أهمها مبدأ تراتبية القوانين , و أن القانون الأدنى يجب أن يكون منسجما مع القانون الأسمى , و المبدأ الثاني يعلق بعدم تضارب قوانين نفس الدرجة أو المرتبة , لكن ما يثيرنا في التشريع في المغرب هو ما سمته وزارة العدل بالتضخم التشريعي و نضيف له التشتت و عدم احترام علم المنهجية و التضارب في كثير من الأحيان بين القوانين من نفس الدرجة و كذلك تضارب العام و الخاص دون اللجوء لتقنية النسخ و أن الخاص يسبق العام .و في المشروع خرق كل هذه المبادئ دفعة واحدة .
كيف ذلك ؟
ينص الفصل 36 من الدستور على ما يلي:”…على السلطات العمومية الوقاية, طبقا للقانون, من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات و الهيئات العمومية , و باستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها , و بإبرام الصفقات العمومية و تدبيرها , و الزجر عن هذه الانحرافات .
يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ و الامتياز, و وضعيات الاحتكار و الهيمنة , و باقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة و المشروعة في العلاقات الاقتصادية.
تحدث هيئة وطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها ” , و بالتالي فإن النص الدستوري -الذي هو القانون الاطار الذي أحدثت بموجبه الهيئة -, يحدد أسباب النزول و الاختصاصات و المؤسسات المعنية بها و الوضعيات التي تندرج ضمن اختصاصات الهيئة, و التي جاءت على سبيل الحصر لا المثال : 1- أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات و الهيئات العمومية 2- الانحراف المرتبط باستعمال الأموال الموجودة تحت تصرف هذه المؤسسات 3- الانحراف المرتبط بابرام الصفقات 4- الزجر عن هذه المخالفات 5- محاربة الشطط في استغلال النفوذ و الامتياز , أما باقي المهام و المتعلقة بوضعيات الاحتكار و الهيمنة و باقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة و المشروعة في العلاقات الاقتصادية فهي تبقى من اخصاص مجلس المنافسة .
القانون المنظم للهيئة استهدف أيضا أشخاص القانون الخاص؟
فبقراءة هذا النص يتضح أن القانون المنظم للهيئة يجب أن يستهدف حصريا أشخاص القانون العام و لا علاقة له بأشخاص القانون الخاص , و أنه حينما تمدد المشروع ليشمل هؤلاء الأخيرين يكون مخالفا للقانون الإطارالذي هو القانون الأسمى أي دستور المملكة مما يكون معه مخالفا للدستور، و معلوم أن أي تشريع يجب أن يكون منسجما مع الدستور و هو ما يسمى مبدأ دستورية القوانين.
و أنه بالرجوع للمشروع نفسه نجده ، نص على أنه يقصد بالفساد في مفهومه إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفرعين الثالث و الرابع من الجزء الأول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي, و يعني بها تحديدا الفصول من 241 الى 256 من القانون الجنائي التي لم نجد من بينها أي مقتضى يخص أشخاص القانون الخاص و كذا أصحاب المهن الحرة ،بل هناك نصوص تخص الموظفين العموميين و من في حكمهم – و هذا أمر يستقيم و منسجم مع أهداف الهيئة – لكن المفاجئة أن النص المحال عليه يشمل القضاة و الذين تم استثاءهم بمقتضى المشروع و بالتالي فان المشروع تناقض في فقراته من جهة و تناقض مع النص الذي قام بالاحالة عليه و هو القانون الجنائي , ثم استدرك و أضاف عبارة نشاز و فضفاضة و غامضة ومطاطة و مخالفة لما يجب أن تكون عليه القوانين من دقة لارتباطها بالحقوق و الحريات و هي كالتالي : “و كل جريمة من جرائم الفساد الأخرى المنصوص عليها في تشريعات خاصة” أي عدنا الى قانون 3كل ما من شأنه” و لم يوضح أيقصد بهذه القوانين تلك الخاصة بالأشخاص العامة أم شيء اخر, و هي بأية غير دستورية و لا تتحرى الدقة.
هل هذا القانون ،يخالف القانون08.28 المنظم لمهنة المحاماة ؟
أكيد، هذا المشروع يخالف القانون 08.28 المنظم لمهنة المحاماة في مجمله , حيث تنص المادة الأولى من هذا القانون بأن المحاماة جزء من أسرة القضاء و بالتالي بالإستثناء الوارد في المادة 25 لمكاتب المحامين لنفس العلة و الغاية أي حماية الملفات الخاصة بالمتقاضين من كل ما من شأنه أن يعرض حقوقهم للضياع أو كل أشكال الفساد الذي قد يحدثه الإطلاع عليها و كذلك باعتبار أن أغلب الملفات الرائجة أمام القضاء لها نظائر بمكاتب المحامين , و أيضا فهو مخالف للمادة 36 من قانون المهنة التي تمنع المحامين من افشاء أي شيء يمس بالسر المهني و أن يحترم سرية التحقيق في القضايا الزجرية و أن لا يبلغ أي معلومات مستخرجة من الملفات و كذلك المادة 56 التي تعطي للنقيب أو من ينتدبه حصريا اختصاص تحقيق حسابات المحامين و بالتحقق من وضعية الودائع و كذلك المادة 59 التي حددت و بشكل حصري الجهات المخول لها تفتيش مكتب المحامي من اجل جناية أو جنحة محتملة و هما اما النيابة العامة او قاضي التحقيق و وفق للمقتضيات السابقة أي بعد إشعار النقيب , و ذلك كله بخلاف ما جاء في المشروع و الذي أعطى هذا الحق لمأمور هيئة النزاهة مع إمكانية حضور ضابط الشرطة القضائية .
ماذا عن الشرعية القانونية والدستورية؟
هذه المقتضيات المضمنة بهذا المشروع بالإضافة لعدم دستوريتها فهي تفتقد للشرعية القانونية وفقا لقانون المحاماة و تفتقد للمشروعية لأنها تضرب حصانة الدفاع في مقتل و بالتالي ستصبح سيفا مسلطا على حرية التعبير و تضييقا على حقوق الدفاع.