الحسن لحويدك يكتب:من مسيرة تحرير الصحراء إلى مسيرة الدبلوماسية والنماء..دلالات ومكتسبات

 أضحت المسيرة الخضراء مدرسة للوطنية، ومصدر إلهام للأجيال الحاضرة والمتعاقبة، باعتبارها منظومة مرجعية تستلهم منها روح القيم النبيلة الرفيعة في التضحية والنضال من اجل ثوابت المقدسات الوطنية لمواجهة التحديات المتنوعة القائمة والمحتملة

في السادس نونبر من سنة 2025 ، سيكون النزاع الإقليمي المفتعل قد عمر نصف قرن من الزمن الذي مر على تحرير الصحراء المغربية بفضل المسيرة الخضراء ، التي ابدعها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، وسهر على مسار تنميتها التي تجسدت على أرض الواقع في هذه الربوع الغالية من الوطن ، في إطار رؤية استراتيجية شاملة، رسم معالمها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
لقد شكلت المسيرة الخضراء حدثا تاريخيا مفصليا في التاريخ المغربي المعاصر، حتى اعتبرت حدث القرن العشرين بامتياز، لأنها أضافت درسا جديدا في القانون الدولي ، تمهيدا لفض النزاعات بالطرق السلمية.
هذه المسيرة التي تنم عن عبقرية مهندسها وإلهام فلسفتها والتي جسدت، في عمقها وجوهرها، التلاحم المتين بين الشعب والعرش، افضت إلى استرجاع المغرب لصحرائه من إسبانيا عام 1975 بطريقة سلمية، وبحنكة سياسية، مما أجبر السلطات الإسبانية على توقيع اتفاقية مدريد .
فلولا المسيرة الخضراء لما تحررت الصحراء ، ولما تحققت مكاسبها العديدة، التي تمثلت في إقرار شرعية وعدالة المملكة المغربية على الأقاليم الجنوبية ، وتحقيق سيادة الوحدة الترابية والوطنية ، والتنمية الشاملة التي عرفتها منطقة الصحراء ، وترسيخ الاعتراف الدولي بمغربيتها ، وتعزيز كافة الحقوق السياسية والمدنية لسكان هذه الأقاليم . 
الأكيد ، أن الروح الوطنية العالية التي جسدتها المسيرة الخضراء ، والحكمة السياسية الرصينة للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني ، والمرجعية الدينية بالأساس التي اضفيت عليها، باستعمال القرآن الكريم، وعلم الوطن تحت شعار ” الله ، الوطن ، الملك ” ، هذه الثوابت هي التي اطرت روح المسيرة الخضراء، وجعلتها تدبر أحسن تدبير .
وها نحن اليوم ، بعد مضي نصف قرن على الحدث العظيم للمسيرة الخضراء المظفرة ، التي خلقت مغربا جديدا،نستحضر هذه المناسبة الوطنية المباركة في هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية ، لتسليط الضوء على 50 عاما من مكتسباتها بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس ،حفظه الله ، ساهمت في بلورة و الارتقاء النوعي بتحقيق منجزات تنموية ودبلوماسية ، في صلبها الطفرات التنموية الهائلة التي أقيمت في الجهات الجنوبية الثلاث ، وانتصارات متتالية لصالح الوحدة الترابية، بواسطة الدبلوماسية الملكية الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس .
في هذا السياق ، يبرز النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي تحل ذكراه العاشرة على انطلاقه من العيون في حضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، عام 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ، حيث شكل هذا النموذج التنموي رافعة أساسية لتحقيق العدالة المجالية، وإرساء تنمية مستدامة على غرار باقي جهات المملكة.
و كما سطر له، فإن هذا النموذج، توخى إرساء دينامية سوسيو-اقتصادية للتنمية، حاملة للنمو، ومـدرة لفرص الشغل، بالمشاركة الفاعلة لمواطني ومواطنات الأقاليم الجنوبية ، نموذج متنوع الأبعاد ، يستهدف تنميـة مسؤولة ومستدامة، تقـوم على التوازن بين خلق الثروات وتوفير فرص الشغل، والإعداد المستدام للمجال الترابي، وحماية البيئة، وإنعاش الثقافة، واستفادة الساكنة المحليـة مـن ثـروات المنطقة.
و حري بالذكر انه في هذا السياق، اقر دستور 2011 بمأسسة الجهوية، في تعزيز وتكريس التنمية الترابية بالمناطق الجنوبية للمملكة.
لقد شكلت الجهوية المتقدمة بعد التقسيم الترابي للمملكة المغربية المعتمد على 12 جهة ، مع تعزيز الدور التنموي ، وإشراك الفاعلين المحليين في التنمية الجهوية ، مدخلا أساسيا بجهات المملكة الثلاث .
 وفي هذا المضمار، تم تكريس هذه الرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك محمد السادس بتحقيق رهان الجهوية المتقدمة، وتكريس اهداف المقترح المغربي الجاد للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كتسوية نهائية لهذا الخلاف الإقليمي المفتعل الذي عمر طويلا .
وبموازاة مع هذه الجهود التنموية المبذولة ، تعززت المكاسب بالمزيد من الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وبتاييد واسع لمبادرة الحكم الذاتي، بما في ذلك اعتراف دول وازنة ، وإقامة العديد من الدول الشقيقة والصديقة للمغرب ، لقنصليات لها بحاضرتي مدينتي العيون والداخلة.
رافق هذه المكتسبات ، تنفيذ وإبرام مجموعة من الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية على صعيد جهات الصحراء .
لقد أضحت المسيرة الخضراء مدرسة للوطنية، ومصدر إلهام للأجيال الحاضرة والمتعاقبة، باعتبارها منظومة مرجعية تستلهم منها روح القيم النبيلة الرفيعة في التضحية والنضال من اجل ثوابت المقدسات الوطنية لمواجهة التحديات المتنوعة القائمة والمحتملة.