«درويش».. ظلت مفردة «فلسطين» هى بيت القصيد عند الشاعر

نبى العاشقين فى ليالى القمر والسهر والحنين

كان يكتب قصيدة عن الحب بقلبه، ثم يكتب أخرى عن الحرب بدمائه، تصدّقه هنا، وتصدّقه هناك، هو نبى العاشقين فى ليالى القمر والسهر والحنين، ومحارب على خط النار فى معارك الأرض والوطن، هو بساطة «أجمل حب» وبراءة «أمل» وهدوء «درس من كاما سوطرا» وحنين «أغنية حب على الصليب»، وهو رثاء «الجدارية» وجسارة «جندى يحلم بالزنابق البيضاء» وجروح «موت فى الغابة» وغضب «عابرون فى كلام عابر». كان طفلاً جميلاً يحتفل بالحياة ويلعب معها ويغنى لها، وكان جندياً منتصراً مرة، ومهزوماً مرة، ينتظر الموت ولا يكرهه ولا يخشاه.

حالة شعرية استثنائية

قدَّم محمود درويش حالة شعرية استثنائية، لم يسبقه إليها أحد قبله، فارتبطت قصائده باسمه، وارتبط بها، عرفته وعرفها، فكك اللغة ليُعيد ترتيبها فى أبيات شعرية، وفكك من حوله الأشياء كلها ليعيد تقديمها على نحو جديد: الحب، الموت، الحرب.. مفردات لم تخلُ منها قصائده، امتزج معها وعبر عنها وتحدث باسمها وقدمها فى ثوب مختلف.

«فلسطين» قضيته الأولى

لكن من بين كل مفردات اللغة ظلت مفردة «فلسطين» هى بيت القصيد عند الشاعر، هى قضيته الأولى التى دافع عنها ورفع رايتها منذ كان طفلاً يقف فى صفوف أطفال الحجارة فى قرية البروة بشمال فلسطين، التى وُلد فيها، ثم نزح عنها إلى بيروت، ثم عاد إليها، إلى أن أصبح هو هو، محمود درويش، شاعر القضية، وحتى مضت به رحلة العمر الطويل إلى محطته الأخيرة فى التاسع من هذا الشهر عام 2008، لينتقل إلى مترين من التراب، متر و75 سنتيمتراً له، والباقى لزهرٍ فوضوىّ اللون، يشربه على مهلٍ.قال لها يوماً في قصيدته “عاشق من فلسطين”:رأيتك عند باب الكهف.. عند الدار معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك

الروح لم تغب، والأرض لم تغب

رأيتك في أغانى اليتم والبؤس!رأيتك ملء ملح البحر والرمل وكنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفلّ!لاتزال جميلة، ولاتزال واقفة عند كل هذه الأماكن بعد عشرة أعوام على رحيل الشاعر، أعوام على غياب الجسد، لكن الروح لم تغب، والأرض لم تغب، والقصيدة لم تغب، يعلو فوقها اسمه المكوَّن من خمسة أحرف أفقية مازالت حاضرة وممشوقة ومنتظمة

إمام أحمد

 


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...